1) زكاة الحبوب والثمار :
تجب الزكاة في كل حَبِّ وثمر يُكال (أي يقدّر بالكيل وهو الصاع), ويُدَّخر (أي ييبس ويبقى مدة طويلة لينتفع به) .
فالحبّ: كالقمح والشعير والأرز والذرة والحمص والعدس وبزر القطن والكتّان وحبّ البطيخ ... وغير ذلك من الحبوب التي تُكال وتُدَّخر .
والثمر: كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق... وغير ذلك مما يُكال ويُدَّخر؛ وذلك لعموم قول الله عز وجل: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ...( البقرة ( 267) , ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) [رواه البخاري] . والعَثَرِيّ ُ: هو الذي يَشرب بعُرُوقِه من غير سَقي .
- وإنما وجبت الزكاة في الَحبِّ والثمر دون غيرهما مما تخرجه الأرض ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلاَ ثَمَرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ...) [رواه مسلم] . فدل هذا بمفهومه على وجوب الزكاة في الحبّ والثمر وانتقائها عن غيرهما .
- واشتُرط في الحبّ والثمر أن يكون مما يُكال ويُدّخر .
أما الكيل: فلقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) [رواه البخاري ومسلم] . فدل ذلك على اعتبار التوسيق , وهو الكيل , فما لم يكن مكيلاً من الحبوب أو الثمار ، فإنه لا زكاة فيه .
وأما الادخار: فلأن غير المدَّخر لا يُتمكن من الانتفاع به في المآل , ولذا لا تجب فيه زكاة.
2) زكاة الفواكه والخضروات :
- لا تجب الزكاة في الفواكه ولا في الخضروات ؛ كالعنب والتين والمشمش والتفاح والرمّان والكمثرى والخوخ والموز, والخيار والجزر والباذنجان... إلى غير ذلك من سائر الفواكه والخضروات ؛ لعدم توافر الأوصاف السابقة فيها , ولأثر موسى بن طلحة عن معاذ رضي الله عنه : (أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ اليَمَنَ لَمْ يَأْخُذِ الزَّكَاةَ إِلاَّ مِنَ الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ) [رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح] .
3) ما يشترط في زكاة الحبّ والثمر :
يشترط في زكاة الحب والثمر – مما يُكال ويُدّخر – شرطان :
الشرط الأول : أن يبلغ النصاب .
ومقدار النصاب – بعد تصفية الحبّ وجفاف الثمر- : خمسة أوسق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ...) [رواه البخاري ومسلم].
والوسْق :يساوي ستين صاعاً نبوياً إجماعاً . فعلى ذلك يكون النصاب: ثلاثمائة صاعاً نبوياً, والصاع يساوي: أربع حفنات بحفنة الرجل الوسط, وبالكيلوات الحديثة يساوي: كيلوين وأربعين جراماً تقريباً من القمح الجيد . فعلى ذلك يكون النصاب بالكيلو جرام: ستمائة واثني عشر كيلو تقريباً من القمح الجيد . وهذا التقدير للنصاب على الأحوط , وإلا فهناك خلاف بين الفقهاء المعاصرين في مقدار الصاع بالكيلو جرام .
- أما غير القمح من الحبوب والثمار: فيمكن تقدير النصاب فيها بالكيلوات الحديثة أيضاً , وذلك بأن تُملأ كفَّان بكفيّ الرجل الوسط أربع مرات من الحَبِّ أو الثمر الذي تريد أن تُقَدِّره , ثم تزنه بالكيلو جرام , ثم تضرب الناتج في ثلاثمائة صاع , ويكون الناتج هو النصاب الخاص بهذا النوع من الحبِّ , أو بذاك النوع من الثمر .
فمثلاً : لو قلنا أربع حفنات من الأرز تساوي كيلوين ونصف, فتحسب على النحو التالي : 2,5× 300 = 750 كيلو جرام , فيكون النصاب في الأرز : سبعمائة وخمسين كيلو جرام تقريباً, وهكذا في باقي الحبوب والثمار.
الشرط الثاني : أن يكون مالكاً للنصاب وقت وجوبها .
ووقت الوجوب : هو بدوّ صلاح الثمر ، واشتداد الحبّ في الزرع ، فإذا اشتد الحبّ وأصبح قوياً صلباً , وظهر صلاح الثمر , وذلك بأن تحمرّ أو تصفرّ ثمار النخيل مثلاً ، فإن الزكاة تصبح واجبة ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ - وَهِىَ تَذْكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ-: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ فَيَخْرِصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ) [رواه أبو داود وسكت عنه , وذكر البليهي في السلسبيل أنه صحيح بشواهده] . ولأن الحبَّ حين يشتد , والثمر حين يظهر صلاحه, يقصدان حينئذٍ للأكل والاقتيات .
ويخرص النخل معناه : يُقدِّر ما على النخيل من الثمار؛ وذلك حتى تُحْصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتُفَرَّق .
4) المقدار الواجب إخراجه في زكاة الزروع والثمار
يجب إخراج العشر إذا كان الزرع أو الشجر يُسْقى بلا كلفة , كأن يسقي من مياه الأمطار أو الأنهار أو العيون , أو كان يشرب بعروقه , أما إذا كان يُسْقى بكلفة , كأن يسقى بالآلات ونحوها مما فيه كلفة فيجب فيه نصف العشر ؛ للحديث السابق: (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) رواه البخاري . والنضح : ما سقى بالسواقى .
5) وقت إخراج زكاة الزروع والثمار :
تقدم أن وقت وجوب الزكاة هو : اشتداد الحب , وظهور صلاح الثمر , فإذا اشتد الحب , وظهر صلاح الثمر فقد وجبت الزكاة , لكنها لا تستقر في ذمة صاحب الحب أو الثمر إلا إذا وضعها في البيدر : و هو الموضع الذي تجمع فيه الثمار والحبوب ، أما الحبوب فلتصفيتها وإزالة القشر عنها , وأما الثمار فلتجفيفها لتذهب عنها الرطوبة ، فتكون جافة . فلا يستقرّ الوجوب في ذمته إلا إذا جعلها في البيدر؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}الأنعام ( 141) , وعلى ذلك فلو تلفت بعد بدو الصلاح واشتداد الحب، وقبل جعلها في البيدر، فإنها تسقط عنه ؛ لأنها في حكم ما لم ثبت اليد عليه , ما لم يكن ذلك بتعدٍ منه أو تفريط، فإنها لا تسقط عنه , وإذا جعلها في البيدر فإنها تجب عليه ، حتى لو تلفت بغير تعد ولا تفريط ؛ لأنه قد استقر الوجوب في ذمته فصارت ديناً عليه. يقول صاحب الروض المربع ( 1/376 ) : « وإذا اشتد الحب، وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة ؛ لأنه يقصد للأَكل والاقتيات كاليابس , فلو باع الحبَّ أو الثمرة ، أو تلفا بتعديه بعد ، لم تسقط , وإن قطعهما أو باعهما قبله فلا زكاة إن لم يقصد الفرار منها . ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في البيدر ونحوه ، وهو موضع تشميسها وتيبيسها ؛ لأنه قبل ذلك في حكم ما لم تثبت اليد عليه , فإن تلفت الحبوب أو الثمار قبله أي قبل جعلها في البيدر بغير تعد منه ولا تفريط , سقطت ؛ لأنها لم تستقر »
-إذا صُفِّي الحب من قشره وتبنه , وجفّ الثمر ويبس بحيث أصبح الرطب تمراً والعنب زبيباً ؛ فحينئذٍ يجب إخراج الزكاة ؛ لأنه أوان الكمال وحال الادخار, ولحديث عتَّاب بن أَسِيدٍ رضي الله عنه ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَه أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ، ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا ) رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف . ولا يُسمَّى العنب زبيباً , ولا الرطب تمراً إلا إذا يبسا , وَقِيس باقي الحبوب والثمار عليهما . فلو خالف المزكِّي وأخرج الزكاة من الحبِّ قبل تصفيته , أو من الثمر قبل جفافه ويُبْسِه , لم يجزئه عن الزكاة الواجبة , ويكون ما أخرجه صدقة .
- يسن للإمام أن يبعث من يخرص (يُقدِّر) ثمار النخيل والكرم (شجر العنب ) فقط دون غيرهما , وذلك إذا ظهر صلاحها ؛ حتى يعرف قدر الزكاة , ويعرف المالك ذلك أيضاً , ويكفي خارص واحد , بشرط أن يكون مسلماً أميناً خبيراً ؛ لأنه صح عنه r أنه خرص حديقةً لامرأةٍ بمكان يُقال له وادي القرى . والحديث بتمامه رواه البخاري ومسلم . وأجرة الخارص تكون على صاحب الثمر ؛ لأن الخارص يعمل في ماله عملاً مأذوناً فيه .
-يجب على الإمام أن يبعث السُّعَاة قرب زمن وجوب الزكاة ؛ وذلك لقبض زكاة المال الظاهر , كالماشية والزرع والثمر ؛ لفعله r , فقد صح عنه أنه كان يبعث السعاة لقبض الزكاة , كما في بعثه عمر رضي الله عنه لقبض الزكاة , وكما في بعثه معاذاً رضي الله عنه إلى أهل اليمن . رواهما البخاري ومسلم , واسْتَعْمَلَ النَّبِىُّ r ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ - رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ - عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ . رواه البخاري ومسلم أيضاً , وغير ذلك كثير , ولانّ في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه , وفيهم من يبخل , فوجب أن يبعث الإمام من يأخذ الزكاة .
تجب الزكاة في العسل إذا بلغ نصاباً , لحديث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما «أَن النَّبِي r أَخذ من الْعَسَل الْعشْر» رواه ابن ماجة بإسناد صحيح .
نصاب العسل : عشرة أَفْرَاق ؛ لما يُروى عن عمر رضي الله عنه أنه أتاه ناس من أهل اليمن فسألوه وادياً فأعطاهم إياه فقالوا يا أمير المؤمنين إن فيه نحلاً كثيراً قال فإن عليكم في كل عشرة أفْرَاق فَرَقاً . رواه عبد الرزاق بإسناد ضعيف , واحتج به الإمام أحمد .
والفَرَق بفتح الراء يساوي : ثلاثة آصع ( جمع صاع ) , فيكون مجموع العشرة أفْرَاق يساوي : ثلاثين صاعاً , فإذا كان عنده هذا المقدار وجب عليه أن يخرج العُشْر؛ للحديث السابق .
الركاز : هو ما وُجد من دفن الجاهلية , ومعنى الجاهلية : أي ما قبل الإسلام .
فما يوجد مدفوناً في الأرض من الكنوز إن وجد فيه علامات الكفار : من كتابة أسمائهم , أو صورهم , أو صور ملوكهم , أو يكون عليها تاريخ ما قبل الإسلام ، وما أشبه ذلك , فهو الركاز .أما إن وجدت فيه علامات المسلمين , أو كان في البلاد الإسلامية وليس فيه علامة , فليس بركاز , وإنما هو لُقَطة .
- تجب الزكاة في الركاز ( قليله وكثيره ) ؛ لقول النبي r: (... وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ ) رواه البخاري ومسلم . فلا يشترط فيه النصاب ؛ لعموم الحديث , ولا يشترط فيه كذلك مرور الحول , بل بمجرد إخراجه من الأرض يجب إخراج زكاته .
- المقدار الواجب إخراجه من الركاز : الخُمْس ؛ للحديث السابق .
- يصرف هذا الخمس من الركاز : كما يصرف خمس الغنيمة ؛ أي في مصالح المسلمين : من بناءٍ للمساجد , وإقامةٍ للطرق والجسور , وتأليفٍ لقلوب بعض أعيان المسلمين ,ونحو ذلك مما يكون فيه مصلحة , فليس مصرفه مصرف الزكاة ؛ وذلك لأنه مال كافر أُخذ في الإسلام فأشبه الغنيمة , ولما روي عن الشعبي ، أن رجلاً وجد ألف دينارٍ مدفونةٍ خارجاً من المدينة ، فأتى بها عمر بن الخطاب ، فأخذ منها الخمس مائتي دينار ، ودفع إلى الرجل بقيتها ، وجعل عمر يقسم المائتين بين مَنْ حضره من المسلمين ، إلى أن أفضل منها فضلة ، فقال عمر : أين صاحب الدنانير ؟ فقام إليه ، فقال له عمر : خذ هذه الدنانير فهي لك . رواه أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناد ضعيف . فلو كان مصرفه مصرف الزكاة لخَصَّ به عمر رضي الله عنه أهل الزكاة , ولم يرده على واجده .
|